Powered By Blogger

الجمعة، 30 ديسمبر 2011

صاحبه في الغار

صاحبه في الغار


عتيق في الجاهلية، صديق في الإسلام، حاضر في المغارم، غائب في المغانم.
أحب صاحب الدعوة، فقاسمه الخوف والعناء والمشقة، وشاطره الهم والمعاناة واللوعة.
مناقبه خصائص تمنع الاشتراك، وخصائصه أكاليل لا تقبل غيره.
ضاقت الدنيا به فدخل الغاز مع صاحبه، والله يقول: (فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ)، خشي على صاحبه من العقرب فسد الثقب بأصبعه، لدغ فما أنَّ، فقال له صاحبه: تأن، خاف على المختار، في الغار من الكفار، فصاح من شدة العنا، أفديك أنا، فنودي: (لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا).
هو مثل الخليل إبراهيم، وحَّد الرحمن، وحطم الأوثان، وأكرم الضيفان، فبأي آلاء ربكما تكذبان.
سارت بذكرك في المواطن أنفس
وسمت لنورك في المنازل أعين
أبو بكر هو الأول في الإسلام والهجرة والجهاد، إلى الله سبق، وبشرعه نطق، وفي القول صدق، فلا تركبن في سيرته طبقًا عن طبق.
زوج ابنته الإمام، واشترى المؤذن، وبنى المسجد، فنال جائزة: (وَلَسَوْفَ يَرْضَى)
أخليفة الرحمن دهرك قالها
وسواك يا صديقها ما نالها
مع الصديق إداوة يسقي بها الصاحب، وسيف ينافح به عنه، ولسان يدعو إليه، وقلب يحبه، وعين تبكي لحديثه، وحفنة تطعم ضيوفه.
فبشرت آمالي بشخص هو الورى
ودار هي الدنيا ويوم هو الدهر
أبو بكر قيل له: نبئ صاحبك، قال: صدق.
قالوا: ونزل عليه جبريل، قال: صدق.
قالوا: وأخبرنا أنه أسري به، قال: صدق.
قالوا: وذكر أنه عرج به، قال: صدق.
فقيل له: أنت الصديق حيًا وميتًا، لقب يبقى لك مجردًا ومضافًا، نكرة ومعرفة، مفردًا وجمعًا.
أبو بكر والشدو الجميل بك ابتكر
وذكراك قد طافت على البدو والحضر
همام كأن الشمس أصغت لفضله
وحنت له الجوزاء وشيعه القمر
لما رأى المجد استعيرت ثيابه
تردى رداءً واسع الجيب واتزر
تفرد في العلياء عن كل فاضل
مناقبه زانت ربيعة أو مضر
آمنت بالله الذي جعل الصديق في الإيمان آية للسائلين، إن حانت الصلاة فهو في الصف الأول من القانتين، وإن تلا غلبه البكاء وابيضت عيناه من الحزن خشية لرب العالمين. وإذا ادلهم الخطب عرض روحه للمنايا وقدم رأسه لسيوف المقاتلين.
لا يكفيه أن يدعى للجنة من باب، بل من الأبواب الثمانية، ولم يسعه أن يعتنق الإسلام في مكة سرًا بل علانية، دخل مع الصاحب في الغار، وخرج معه للهجرة، وبات معه في بدر، ولزمه في حنين، وسافر معه إلى تبوك، وحج معه، وناب عنه في الإمامة، وقام مكانه في الخلافة.
لما مات الصاحب سال دمعه سريعًا ساخنًا صادقًا، فلما ارتد بعضهم عن الإسلام جف دمعه، وصلب عوده، واشتد ساعده، ولعلع سيفه، وزمجر صوته، فرد من شرد، وأقام من قعد، وأدخل بالسيف في قلوب الناكثين: (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) فكان لسان الحال في الأزمات يحييه: اثبت أحد.
قال المارقون: لا ندفع مالًا، فأقسم: والله لو منعوني عقالًا، فسل سيف الحق، وألقى في رقاب المردة خطبة ارتجالًا.
ارتد مسيلمة الكذاب، فقال الصديق: يا ذباب، يأتيك الجواب، فألبس خالدًا العمامة، وقال: هيا إلى اليمامة، فاهتز سيف الله المسلول، فصبح المرتدين وهم في ذهول، فحطم الجماجم، وأذل الباطل وهو راغم:
خليف الله جازى الله سعيك في
جرثومة الدين والأخلاق والقيم
أبو بكر ما أسده، هو رجل الشدة، وبطل يوم الردة، الأسود تسود، والمثالب للثعالب:
لك أجرها ووداد من أهداكها
وسواك يرتع في الحضيض الخامل
أبو بكر ثلاث ليال، وثلاثة أيام، وثلاث ساعات.



ليلة الغار:
يا ليلة الغار هلا عدت ثانية
سقى زمانك هطال من الديم
وليلة بدر الأبرار، وليلة الدار:
أبو بكر يوم أعلن إسلامه، ويوم ارتحل مع صاحبه، مرةً خلفه، ومرة أمامه، ويوم جهز جيش أسامة.
وأبو بكر ساعة سمع سورة اقرأ، وساعة صدق المعصوم في الإسراء، وساعة مات الحبيب، وأظلمت الغبراء.
ثلاث فيك لو قسمت لشعب
لصار الفرد منهم رأس قوم
ثباتك والسيوف مضرجات
وبذلك والزمان زمان عدم
وصدق فيك يشرق لو تبدى
لقال البدر قد ضيعت رسمي
أبو بكر أعلن الحرية؛ لأنه أول من استقبل عبداً، وأول من ودع عبداً، استقبل بلالاً أيام البلاء، يوم كانت قريش ثائرة على السود، هائمة في السيادة، ضالعة في الاستعباد.
وودع أسامة الأسود يركب على الفرس بسواده.
والصديق يطأ الثرى ببياضه ليقول للناس: لا ألوان ولا أنساب ولا ألقاب عندنا، حمل رسالة، وصحة يقين، وطهر ضمائر، وسمو همم، هو مع خليله وإمامه وحبيبه وأسوته في الصلاة خلفه، في الحرب أمامه، في الطلب لديه، في المهمات عنده.
أبو بكر قلب نبيل، وجسم نحيل، شاب الإرادة، شيخ التجارب، أحيا قلبه بالإيمان فلم يمت أبداً، وأمات نفسه عن الشهوات فلم تعش أبداً.
هاج الناس يوم مات الرسول صلى الله عليه وسلم فسكن أبو بكر، تلعثموا فتكلم، أراد أن يخبرهم بالمصاب، فأتى بالعجب العجاب، [[من كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت]].
نحيف أسيف شريف.
نحيف لم يتخم من موائد اللاهين، وبعض الرعية في أسراب الجائعين.
وأسيف بكى من التنزيل، ودمعت عيناه من خوف الجليل، ووجل ليوم الرحيل.
وشريف سمت روحه عن الشهوات، وعظم قلبه أن تناله الشبهات، ونظفت يده عن هاء وهات، عنده صحة قطرة سقاها معين التوحيد، ونضحها نسيم الهجرة، وأنضجتها شمس الجهاد، عقيدته توقد من شجرة مباركة لا شرقية ولا غربية، بل ربانية سنية سلفية، نور على نور:
جاءت به في ليلة مأهولة
متبلج البسمات كالنجم الأغر
شاب رأسه من تلك الأيام، يوم رأى إمامه وقدوته يؤذى في الطواف، ويوم شاهد السيوف تلف الغار، ويوم أبصر الحبيب يودع الحياة.
صفقته رابحة، وكفته راجحة، وعطاياه غادية رائحة، أنطق بحجته ألسنة النبلاء، فشهدت: أن لا إله إلا الله. وأسكت بدولته أفواه البغاة، يوم قالت: لا إله.
أرسل لواءه الأبيض على العنسي الأسود، فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة.
وأرسل طلحة على طليحة، فصغر الاسم، ومحى الرسم، ولا يغل اسم الله اسم.
جمع له المرتدون الخيول المرسلات، فسلط عليهم السيوف النازعات، منعوا زكاة المال، فأخذ منهم زكاة الرجال، قطعوا الحبال فارين، فجزهم في العمائم مقيدين.
مات المعلم يوم الاثنين، ومات التلميذ يوم الاثنين لأنه: ((ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا)) وتنتهي بهما في دار المقام، ويذهب الحزن كله: ((وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ)).
وتوافقت تلك المناقب مثلما
شاء الإله وزادها مولاها

رأي الشيعة في ال البيت صلوات ربي عليهم

جميع الحقوق محفوظة لمدونة ابناء عائشة رضي الله عنها 2013

تصميم :بويردن